يحلل طارق دنا في مقاله طبيعة المشروع الإسرائيلي الذي تجاوز حدود الحرب في غزة، ليتحوّل إلى خطة إقليمية هدفها فرض هيمنة مطلقة على الشرق الأوسط. يوضح الكاتب أن ما يجري ليس مجرد سياسة أمنية، بل امتداد لمشروع استيطاني يعتبر الحياة الفلسطينية بلا قيمة والسيادة العربية قابلة للتجاهل، في ظل ضمان الحماية الأمريكية.

يشير موقع ميدل إيست آي إلى أن إسرائيل تسير على مسارين متوازيين: أحدهما اقتصادي ودبلوماسي يعزّز اندماجها الإقليمي، والآخر عسكري يستخدم القوة المفرطة لسحق أي مقاومة. ويؤكد المقال أن جوهر هذا المشروع يتمركز في غزة، حيث تكشف الإبادة المستمرة عن منطق يقوم على الإزالة التامة للبنية الاجتماعية الفلسطينية. ويضيف أن عمليات الإخلاء القسري إلى الجنوب ليست سوى وسيلة لتركيع السكان وتعليم المنطقة بأكملها من يفرض الشروط.

توسّع إسرائيل عدوانها نحو لبنان وسوريا واليمن، لتربط جبهات القتال بطرق الإمداد الاقتصادية، حتى وصل الأمر إلى ضرب الموانئ وتعطيل التجارة في البحر الأحمر. ويشرح المقال أن الهجمات الإسرائيلية في الدوحة، التي استهدفت مفاوضي حماس داخل عاصمة حليفة لواشنطن، كشفت القاعدة الجديدة للعبة: السيادة لا تضمن الحماية، والقرب من الولايات المتحدة لا يمنع الاستهداف.

يرى الكاتب أن الولايات المتحدة تواصل تغطية العدوان الإسرائيلي سياسياً وعسكرياً، ما يجعلها الممكّن الأساسي لهذا النظام التوسّعي. ويصف التعاون العسكري بين الجانبين، خاصة بعد انضمام إسرائيل إلى القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم)، بأنه عامل يسهّل التنسيق في الدفاع والهجوم على السواء. وبهذا الدعم، تتحوّل جرائم الحرب إلى سياسة إقليمية منظّمة.

ويعتبر المقال أن اتفاقيات التطبيع (اتفاقات أبراهام) لم تجلب سلاماً ولا ازدهاراً، بل منحت إسرائيل غطاءً لتوسيع احتلالها ودمج نفسها أكثر في النظام الأمني الأمريكي. في المقابل، تعامل الأنظمة العربية مع مأساة غزة وتدمير الضفة والعدوان على لبنان وسوريا كـ“تكاليف سياسية مقبولة” مقابل الحفاظ على رضا واشنطن ومكاسب اقتصادية مؤقتة.

ينتقد دنا نتائج القمة العربية الإسلامية في الدوحة، معتبراً أنها أظهرت عجزاً مريعاً وافتقاراً للإرادة السياسية، إذ اكتفت ببيانات خطابية دون اتخاذ خطوات عملية لردع العدوان. وبعد ساعات من اختتامها، كثّفت إسرائيل ضرباتها على لبنان واليمن وواصلت المجازر في غزة. ويرى الكاتب أن هذا التخاذل أضاع فرصة تاريخية لبناء جبهة عربية قادرة على تغيير موازين القوى والدفاع عن السيادة الإقليمية.

في المقابل، يشهد الغرب تحولاً جذرياً في الرأي العام، حيث تتزايد المظاهرات الداعمة لفلسطين في الشوارع، وتتحرك النقابات والجامعات والمجالس المحلية نحو قرارات المقاطعة وفرض حظر الأسلحة، بل وتتحول الموانئ نفسها إلى ساحات مقاومة مدنية ضد الحصار. يصف الكاتب هذه الموجة بأنها “انبعاث الضمير العالمي”، رغم أنه يعترف بأنها وحدها لا توقف الحرب، لكنها تفضح التناقض بين الوعي الشعبي والمواقف الرسمية.

ويختتم المقال برؤية استراتيجية تدعو الأنظمة العربية إلى التحرّك من البيانات إلى الفعل، بقطع العلاقات الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية مع إسرائيل، ووقف مشاريع التطبيع التي تموّه التواطؤ السياسي. كما يدعو إلى بناء موقف إقليمي موحّد يشمل القوى العربية والإقليمية، كإيران وتركيا، لتأسيس جبهة توقف التوسع الإسرائيلي وتحمي سيادة المنطقة.

ويحذّر دنا من أن “خطة ترامب ذات النقاط العشرين” التي احتفى بها نتنياهو تمثل محاولة لتقنين الاحتلال وإعادة إنتاجه في صيغة اتفاق سلام مزعوم، يمنح إسرائيل السيطرة الكاملة تحت رعاية أمريكية. ويرى أن تمرير هذه الخطة سيحوّل القضية الفلسطينية إلى صفحة من الماضي، وسيكتشف العرب لاحقاً أن سكوتهم كان مشاركة في اغتيالهم السياسي.

ويختم الكاتب بأن الفلسطينيين سيدفعون الثمن أولاً، لكن بعدها سيصل الدور إلى كل دولة عربية تظن أن الحياد يحميها من نيران مشروع الاحتلال الذي يسعى إلى إخضاع الجميع تحت مظلته.

https://www.middleeasteye.net/opinion/israel-total-domination-region-first-gaza-arab-world-next